[FRAME="11 70"]
لم يكن من السهل اتخاذ قرار الكتابة عن شخصية كشخصية ناجى العلى الفنان الذى حول فرشاة الرسم إلى مدفع رشاش، وقطرات الألوان إلى رصاصات لم تعرفها الحضارة من قبل، لم يكن من السهل الكتابة عن الفنان الذى رسم انكساراتنا وإن كثرت وانتصاراتنا وإن قلت.

كغيره من أبناء فلسطين نشأ ناجى العلى فى الشتات بعيداً عن الأرض التى شهدت أولى لمساته والسماء التى زفر فيها أول أنفاسه، كانت آلام الغربة رفيقه الأول لكنها لم تتمكن من محو أحلامه التى لم تكتمل، ولا رؤيته التى تكونت تحت شمس مخيم اللاجئين، فخرج من بين هذه الحطام عملاقاً لم يعهده هذا العصر الذى ظن أن القوة فى السلاح وحده؛ عملاقاً ربك أعتى الرجال والمؤسسات بسلاح واحد فقط فى يده فتاك يصيب أهدافه بدقة وسهولة وقوة وهو قلم وريشة ناجى العلى.

شهد عام 1936 مولد ناجى سليم حسين العلى فى قرية الشجرة فى الجليل الشمالى من فلسطين، لأسرة فلسطينية فقيرة تعمل فى الزراعة والأرض، لكنه لم يكد يكمل عامه الثانى عشر حتى طُرد وأهله من وطنه بعد مأساة عام 1948، وكان مخيم عين الحلوة بلبنان مستقره
الذى شهد صباه وبدايات شبابه، وفترات دراسته بمدارس الرهبان وفترات توقفه عن الدراسة واتجاهه للعمل فى قطف ثمار المزارع مساعدة لأهله على الحياة.

تفتحت فى هذه الأثناء مدارك ناجى العلى وعرف كيف كان وأهله ضحية مؤامرة دبرتها القوى العظمى آنذاك لصالح الحركة الصهيونية العالمية، كانت بدايات عمل ناجى العلى السياسى من خلال انتمائه لحركة القوميين العرب عام 1959 لكنه أُبعد عن التنظيم أربع مرات خلال سنة واحدة لعدم انضباطه فى العمل الحزبى.

وفى الفترة من عام 1960-1961 أصدر ناجى العلى بالاشتراك مع بعض رفاقه بحزب القوميين العرب نشرة سياسية بخط اليد تحت اسم "الصرخة"، وفى نفس الوقت وتحديداً عام 1960 دخل الأكاديمية اللبنانية للرسم ليدرس بها عام واحد؛ لكنه لم يكمل بها إلا شهراً واحداً بسبب مطاردته من الشرطة اللبنانية ومنذ ذلك التاريخ أصبح ناجى العلى زبوناً دائماً بمعظم سجون لبنان.

رحل ناجى العلى عام 1963 للكويت وعمل رساماً ومخرجاً ومحرراً صحافياً بمجلة (الطليعة الكويتية) وكان الهدف من عمله فى تلك الفترة جمع المال لدراسة الفن فى القاهرة أو فى إيطاليا، لكنه ترك الكويت وعاد إليها عام 1968 ومكث يعمل فى جريدة (السياسة الكويتية) حتى عام 1975، ثم عمل بجريدة (السفير) من عام 1975 حتى عام 1983 وانتخب عام 1979 رئيساً لرابطة الكاريكاتير العرب، ثم ترك بيروت عام 1983 متوجهاً إلى الكويت للعمل فى جريدة (القبس الكويتية) حتى أكتوبر من عام 1985.

ترك ناجى العلى الوطن العربى كله عام 1985 وتوجه للعمل فى جريدة (القبس الدولية) بلندن حتى اغتياله عصر يوم 22 يوليو عام 1987.

للكلام عن رسوم ناجى العلى يجب علينا الكلام عن كل من رفضوا الحقيقة السوداء والواقع المرير الذى غلف الحياة العربية فى تلك الفترة –فترة ضياع فلسطين- والتى نحيا الآن نتائجها فى الوطن العربى كله لا فى فلسطين فحسب.

كان "حنظلة" طفل ناجى العلى الذى اختصر فيه طفولة فلسطين المشردة بين المخيمات؛ شاهداً على كل ما رسم وكل ما نشر يشارك مرة بإلقاء الحجارة ومرة يكتفى أن يكون متفرجاً وحسب، ظل "حنظلة" الرمز الذى تركه ناجى العلى ورائه لا يموت أبداً شاهداً على ما يجرى حتى الآن.

كان اغتيال ناجى العلى عصر يوم 22 يوليو من عام 1987 صفعة قوية على وجه الحضارة التى لم تستطع حماية أحد أبنائها، حين تم التعامل مع الفنان المناضل بأسلوب القتلة؛ كما أثبت حادث اغتياله أنه أحياناً للكلمة وللخط المرسوم وقع أقوى من طلقات الرصاص الذى أزهق روح فنانا.[/FRAME]